Friday 27 May 2011

حول تأجيل الانتخابات (1)… الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة وعمى الألوان

Ecrit par عدنان المنصر , publie parhttp://www.machhad.com/?p=2744

ركبت الهيئة المستقلة للانتخابات رأسها وقررت أنه لن تجري الانتخابات قبل يوم 16 أكتوبر. من ناحية تقنية بحتة لا يمكن توجيه لوم كبير لهذه الهيئة فهي تعتبر أن مهمتها ليس إجراء انتخابات بقدر ما هو إجراء انتخابات شفافة ونزيهة بالمقاييس المعتمدة في أرقى الديمقراطيات المعاصرة، وهذا من ناحية المبدأ أمر جيد. من بإمكانه اليوم تحمل التكلفة السياسية لانتخابات غير نزيهة؟ لا أحد، لأن ذلك سيدخلنا في متاهة جديدة حيث لن تستقر الأوضاع في المستقبل بعد أية انتخابات، وستبقى كل الحكومات القادمة تعاني من مشاكل الحكومة الحالية: عدم الشرعية أو الشك في الشرعية. لنتفق على شيء: هذه الهيئة مستقلة ( أو يفترض على الأقل أن تكون مستقلة)، ولكن المشكل أن البعض يقدسها ويجعلها فوق أدنى النقد. وهذا غريب لا نجد له شبيها في عقول الديمقراطيين خارج حدود بلادنا، فديموقراطيونا من طينة خاصة جدا، ينقدون كل المقدسات إلا ما يصنعونه بأيديهم، ولكن هذا أمر آخر. وجه النقد الوحيد الممكن لهذه الهيئة هو النقد الموضوعي، ليس بفعل ادعاء ذلك النقد للموضوعية ولكن بفعل اعتماده على عناصر مادية يمكن لمسها باليد، أو إن شئت بكلتا اليدين وببعض الأقدام

في جلسة أمس أصيبت معظم الهيئة بعمى فجئي وبصمم كلي: لا أحد يتذكر انه تم الحديث والتوافق في السابق عن تاريخ 24 جويلية لإجراء الانتخابات. وذهب البعض أصلا إلى أن تاريخ 24 جويلية كان يفترض أن يكون تاريخ إجراء الانتخابات الرئاسية وهذه مغالطة لا يمكن أن تنطلي حتى على الأطفال، اشترك فيها حتى رئيس الهيئة الموقر. بدا للبعض أنه حضر في اجتماعات هيئة أخرى طيلة الأسابيع الماضية أو أنه ربما كان تحت تأثير بعض مشتقات الهلوسة. المشكل أنه حتى وإن أخطأ الهيئة فإنه يتذكر جيدا أن نفس الوجوه كانت حاضرة معه في الهيئة الخطأ، بل والأدهى من ذلك أن الهيئة أصدرت في السابق بيانات ضمنتها التأكيد على موعد 24 جويلية للانتخابات، وهي بيانات صدرت باسم الهيئة العليا كلها، بما فيهم السيد كمال الجندوبي رئيس الهيئة المستقلة للانتخابات، الذي لم يعترض مطلقا في السابق على هذا التاريخ ولم يبد لأحد، وهو  ”صاحب التجربة” في مجال الانتخابات (كان ذلك أحد شروط الترشح)، أية احترازات تذكر على الظروف التي كان يفترض أن تمنع عقد الانتخابات في وقتها.
في جلسة البارحة كان هناك استغفال كبير من طرف معظم أعضاء الهيئة للبقية التي يبدو أن ذنبها يتمثل في ذاكرتها الجيدة: عوضا عن مناقشة أصل الأشياء ذهب البعض إلى فكرة إصدار بيان مساندة للسيد كمال الجندوبي، ظاهريا بدعوى أنه يتعرض لحملة مغرضة (وهي حملة غبية ذهبت إلى التعريض بالشخص بطريقة غير مبررة) ومضمونا لقطع الطريق أمام أية إمكانية لوضع تاريخ آخر غير الذي ارتأته الهيئة المستقلة ولو كان توافقيا. معنى ذلك أنه لو قدر لذلك البيان أن يصدر، ولو وضع مع جملة البيانات التي صدرت في السابق لكان معناه أن الهيئة العليا تقول للرأي العام بكل الصراحة الممكنة: نعم، نحن نكذب، ولأننا نكذب فإن عليكم أن تواصلوا الثقة بنا، لأننا قدركم

في المقابل، بدا المتمسكون بتاريخ 24 جويلية وكأنهم لا يريدون الاعتراف بأن الأمر صعب، فعمى الألوان يبدو مرضا معديا. هل يفيد أحد أن ينكر وجود الصعوبات التقنية واللوجستية وأن يكون جوابه هو نفسه باستمرار: “ليست هناك صعوبات تمنع إجراء الانتخابات في وقتها”. بلى، هناك صعوبات، ولكن السؤال هو هل أن هذه الصعوبات تمنع إجراء الانتخابات وتجعلها مستحيلة؟ أم تجعل إجراءها في التاريخ الأول أمرا دونه هواجس حقيقية حول نزاهتها وشفافيتها؟ كان الأمر يتعلق برزنامة انتخابية قدمتها الهيئة العليا أخيرا، وهي رزنامة نعتقد أنه كان بالإمكان الضغط عليها لنربح شهرا من الزمان على الأقل ، مما يجعل تاريخ الانتخابات هو بداية أو منتصف شهر سبتمبر، قبيل العودة المدرسية والجامعية، ومطولا بعد شهر رمضان. لا أحد استمع لهذا الاقتراح الذي قدمته عدة شخصيات مستقلة، فالأغلبية كانت لا ترى في قرار التأجيل ليوم 16 أكتوبر إلا السواد القاتم أو البياض الناصع، وهذا مؤسف. المشكل أن البعض يعتبر، لفرط العمى، أن رزنامة الهيئة المستقلة (التي تحولت بقدرة قادر من مجرد “اقتراح” إلى كتاب منزل) علمية لا تقبل النقد ولا المراجعة، وهذا طبيعي، فكل ما يضعه القوم علمي لا يقبل المراجعة

من ناحية أخرى، فإن تحديد يوم الاقتراع كانت عملية سياسية فجة لا علاقة لها مطلقا بالصبغة التقنية التي يفترض أنها الاختصاص الوحيد للهيئة المستقلة. في كل بلاد الدنيا، عندما تكون المؤسسات قائمة وفاعلة، وعندما يكون الوضع السياسي مستقرا، تتفق الحكومات مع الأحزاب الموجودة خارج الحكم على تاريخ الانتخابات. أما في تونس فالوضع مختلف، وباستمرار. ما قامت به الهيئة المستقلة هو من الناحية السياسية عملية انقلابية، ليس على الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة التي لا تهم كثيرا وإن كانت هي التي انتخبتها، ولكن على فكرة التوافق التي يجب أن تقود المرحلة الراهنة. بل إن الأدهى هو أن معظم الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة قد شاركت في هذا الانقلاب، بل اشتركت فيه عن طريق التغطية عليه وإيجاد الأعذار له. وكما هو معلوم بالتجربة التاريخية، فإن الانقلاب قد يبدأ تجربة، ولكنه قد يصبح بعد ذلك عادة. وهذا منذر بكثير من العواقب في المستقبل، نفضل أن لا ننساق في تخيلها، فهذا أفضل للجميع. ما نرجوه فعلا هو أنه لم يقع الاتفاق على هذا التاريخ مع طرف سياسي معين قبل الإعلان عنه، وأن هذا التاريخ لم يأخذ بعين الاعتبار سوى المسائل التقنية، بل أن لا تكون الرزنامة  قد وضعت بطريقة توافق هوى البعض ممن نسي البارحة كل ما تم التوافق عليه في الأشهر السابقة. إنما هو رجاء، ولكن كثيرا من الرجاء مردود

عدنان المنصر، مواطن يريد أن يبقى حرا

Thursday 19 May 2011

أسامة، وحكومات الظل أخرى

Ecrit par عدنان المنصر, publie par http://www.machhad.com/?p=2554


وصلت قضية أسامة العاشوري إلى الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة بعد أن طافت عبر الفضائيات والصحافة وعيادات الأطباء، وكان ينتظر أن تجد لدى أعضاء الهيئة استقبالا يليق بطبيعة المرحلة التي تمر بها البلاد ولكن خاصة بطبيعة الاعتداء الذي قد يكون تعرض إليه الرجل. والحقيقة أن تعاطف الهيئة مع أسامة كان أمرا واضحا في كل النقاشات الجانبية التي تمت في أروقة المجلس بل أيضا لدى مكتب رئاسة الهيئة التي لم تستطع أن تبقى على ما يفترض أنه حياد إزاء قضية من هذا النوع. من يستطيع اتهام الأستاذ عياض بن عاشور بأنه يريد إشعال فتنة في البلاد؟ هذا مما لا يخطر على قلب بشر. لكن الرجل، وقد هاله حجم الاعتداء المحتمل ورمزيته لم يجد من بد لتحويل مسار الجلسة والخروج عن جدول أعمالها لإفساح المجال لمحامية الضحية، وهي من وجوه النضال الحقوقي في فترة حكم الرئيس الهارب، لطرح الموضوع على الأعضاء. كان خطؤها أنها انطلقت من وقائع للقيام بتحليل سياسي والبناء على ذلك التحليل وليس فقط على وقائع تبقى رغم كل شيء محتملة. كانت تلك مبادرة جيدة استحسنها كل من كان حاضرا ممن يؤمنون بأن ما وقع في البلاد هو ثورة كرامة بالفعل، أما الآخرون فقد شكل ذلك مفاجأة سيئة لهم.
كان الاعتداء المحتمل على أسامة عاشوري، الذي كذبته الداخلية دون تحقيق مثلما تعودت منذ نصف قرن، من تبعات أحداث يوم 7 ماي، ذلك اليوم الأسود في تاريخ المؤسسة الأمنية، ولكن عندما تكون كل أيام الجهاز سوداء فإن درجة السواد تصبح ثانوية جدا. هاجت الهيئة بمناسبة تلك الأحداث وماجت، ودفعت عديد العناصر داخلها من أجل اتخاذ موقف قوي من الحكومة، ولكن بعضهم عرقل ذلك بكل ما أوتي من أصوات عالية، محطما ذلك الإجماع المبدئي حول مسائل هي من تحصيل الحاصل في أي بلاد لم تعش ثورة أصلا، فكيف بها إن كانت تعيشها؟ وكيف بها إن كانت ثورة كرامة؟
تلك إحدى مشكلات هذه الهيئة: ليس كل من فيها مؤمن بأن ثورة وقعت في البلاد، وليس كل من فيها متفق على أهداف هذه الثورة إن صادف وآومنوا بها، وليس كل من آمن بها متفق على طريقة تحقيقها. بالإضافة إلى ذلك، وكلما تحدث أحد باسم الشعب أو باسم الثورة وأهدافها، فإن أولئك الذين لم يؤمنوا بها يوما هم أول من ينكرون عليه حقه في ذلك، وهم أول من يشكك في شرعية الهيئة، ذلك التشكيك الذي ينقلب في أحيان عديدة إلى احتكار لها: ليس لك الحق في الحديث باسم الشعب فالشعب لم ينتخبك، وليس لك الحق في الحديث باسم الثورة لأن الأمر لا يتعلق بمجلس قيادة ثورة. وفي المقابل فإنني هنا، باسم نفس ذلك الشعب وباسم تلك الشرعية، أملك من الحقوق ما تملكه وأكثر، فأنا حزب قديم، ناضلت وكافحت ومشيت على الجمر في سنواته، غير أنني أرى أن ما حدث في البلاد ليس بثورة، وأنه لا دخل للكرامة في الأمر، وأن البلاد (أي الحكومة) لا تنقصها مشاكل، وأن الأهم من كل شيء هو الوصول إلى الانتخابات (الرئاسية وليس انتخابات المجلس التأسيسي، طبعا).
من مفارقات الزمن الرديء أن من قاوم نشأة هذه الهيئة وقاوم الاعتصام الذي أتى بها، بل قاوم فكرة المجلس التأسيسي من أصلها، وقاوم الرافضين للحكومة الانتقالية الأولى، هو الأرفع صوتا داخلها. كان ذلك أمرا مخططا له منذ البداية، وها أن فصول ذلك التخطيط تتكشف يوما بعد يوم: هل صرح أحد بشيء ضد الحكومة؟ يجد هؤلاء أنفسهم في أول قائمة المدعوين على القنوات المشبوهة لمهاجمته. هل اتفقت الهيئة على فصل معين في قانون معين، وبأغلبية الأصوات، لتحرير الانتخابات من سطوة النظام القديم الذي لا يريد أن يلفظ أنفاسه؟ سيصوتون ضد ذلك، وعندما يكونون ضمن الأقلية، ينطلقون إلى الحكومة المؤقتة ليؤكدوا أنهم صوتوا ضد ذلك الفصل، فيوحون لها أن بإمكانها أن تطمع في تغيير موقف الهيأة إن أصرت على موقفها، فيوقعون البلاد من حيث لا يدرون في أول خطوات تأخير الانتخابات، أي في شهر كامل من التأخير عن إصدار مرسوم القانون الانتخابي.
قضية أسامة عاشوري ليست هي الأصل، وسواء صح الاعتداء الذي تعرض إليه أم كان مجرد فصل من فصول الصراع بين الحكومة وطرف سياسي معين، فإن الأصل كان أن يقع الإجماع على إدانة قوية لكل الاعتداءات التي تقع منذ يوم 14 جانفي حيث يفترض أن النظام القديم انتهى. المشكل أن من دافع عن الحكومة الأولى من داخلها يدافع اليوم عنها، ودون أدنى رغبة في التثبت من الوقائع، من داخل الهيئة، بل إنه يفترض أنه لو كانت الحكومة ممثلة داخل الهيئة لما كان بإمكانها لعب هذا الدور ببراعة وحماس أكبر. المشكل هو يوم 7 ماي وليس ما بعده، وإزاء ما وقع ذلك اليوم، تم التصرف من جانب نفس الطرف بنفس الطريقة، رغم أن الأمر لم يكن محتاجا إلى لجنة تحقيق حيث كان يكفي إلقاء نظرة على ما يحدث قريبا جدا من المقر المركزي للحزب للتأكد من ذلك. كان أمر اليوم آنذاك هو التالي: لا نريد بيانا قويا ضد الحكومة، بل لا نريد بيانا أصلا إذا كان أي بيان سيؤدي إلى تحميل المسؤولية للحكومة فيما وقع.
كم مؤسف أن ينزل طرف سياسي محترم جدا إلى هذا الدرك الأسفل من الحسابات في سبيل هرولته نحو السلطة، مهتما بالقطاف أكثر من اهتمامه بطبيعة الثمرة والسلم المستعمل للوصول إليها. كم محبط أن نرى الحزب الديمقراطي التقدمي الذي كان لا يتردد عن إدانة عملية قذف بالحجارة لسيارة أمينته العامة في إحدى ربوع البلاد، محاولا تحريك كل الساحة ضد ذلك “الاعتداء الغاشم”، يصمت إزاء عملية قذف مستقبل البلاد وثورتها وحلم أجيالها. هذه الانتقائية في التفاعل مع قضايا يفترض أنها مبدئية أمر مخيف: مخيف لمستقبل هذا الحزب العريق والمناضل الذي لا نتصور المشهد من دونه، ومخيف لمستقبل البلاد حيث يبدو أن للسياسة قوانينها التي لا يفهما إلا المسرعون نحو الكراسي. ولكن، هل خرجوا من الكراسي أصلا حتى بعد سقوط حكومة الغنوشي؟ من هنا فصاعدا، يبدو أنه يجب البحث عن حكومات ظل في مكان آخر تماما.

Elyes Jouini: Représentant de nos créanciers

Ecrit par Dahi Saber, Publie sur nawaat.org
http://nawaat.org/portail/2011/05/17/elyes-jouini-winston-churchill-et-le-discours-de-verite-2/

L’allocution de Mr Fouad Mbazaa, Président de la République par intérim, le 30 avril 2011, à l’occasion de la fête des travailleurs, a véhiculé une vision de l’avenir social et économique de la Tunisie tout aussi rassurante qu’optimiste. Un discours qui contraste avec l’esprit du programme économique et social à court terme du Gouvernement Provisoire qui a annoncé un avenir moins radieux, sinon dramatique, pour des centaines de milliers de salariés à défaut de mesures d’urgence. Ce programme en 17 points étant élaboré par des technocrates, il se peut que l’optimisme ne soit pas de rigueur chez ces techniciens de la décision politique. Reste qu’un programme gouvernemental ne pourrait être le reflet des humeurs mais plutôt de l’esprit de celui qui le conçoit. De la finalité qui le sous-tend. Voici l’esprit de ce programme tel que présenté par Mr Elyes Jouini .
« De la peine, des larmes et de la sueur ». C’est sous ce titre peu optimiste, que Mr Elyes Jouini a publié le 10/04/2011 un article sur le site www.leaders.com.tn dans lequel il expose les trois vérités de ce programme en citant à l’appui Winston Churchill. Rappelons que Mr E. Jouini a été du 27 janvier au 1er mars 2011 ministre chargé des réformes économiques et sociales dans le gouvernement Mohamed Ghannouchi. Son opinion personnelle, sa vision de l’avenir, prend par conséquent plus d’intérêt si on considère qu’elle reflète celle d’un ancien ministre technocrate qui était chargé de poser les jalons des réformes stratégiques cruciales pour la Tunisie postrévolutionnaire. Un pionnier du programme du Gouvernement Provisoire.
Dans cet article, le lecteur est d’abord éclairé sur le programme d’action pour la réalisation des réformes tant attendues après le 14 janvier. A partir d’une approche incompréhensible pour le profane, ce programme repose sur trois piliers : « peine, larmes et sueur ». D’ailleurs c’est ce que l’auteur affirme être « le discours de vérité » et l’essence même du plan d’action de l’actuel gouvernement Caid Essebsi en général. Pour les incrédules voici ce qu’avance d’emblée et sans détours Mr Jouini : « Je n’ai rien d’autre à offrir que du sang, de la peine, des larmes et de la sueur” c’est avec ces mots que Churchill s’adresse à la Chambre des Communes le 13 mai 1940 pour y présenter son plan d’action gouvernementale. Aujourd’hui, c’est ce même discours de vérité que le gouvernement commence à tenir ».
Mais pourquoi le Gouvernement devrait-il tenir un discours de vérité gris et résigné en pleine euphorie révolutionnaire? Nous gâcher la fête. En quoi les propos de Churchill aux pires moments de l’histoire de l’Angleterre qualifieraient-ils une nouvelle ère de l’histoire de la Tunisie pleine de promesses et d’espoir ? Le lecteur chercherait en vain les contours de cette blitzkrieg qui nous menace et qui justifie un tel discours pour le moins inquiétant. On lui indique juste que « ce discours de vérité, il est possible de le tenir en Tunisie en raison même de la maturité de notre société et de nos structures économiques. » ( ?) ! La seule certitude dans ce conflit annoncé par Mr E. Jouini c’est qu’il importe peu contre qui on va se battre du moment que la victoire est assurée. Et il cite encore W. Churchill : « la victoire, la victoire à tout prix, la victoire en dépit de la terreur, la victoire aussi long et dur que soit le chemin qui nous y mènera ; car sans victoire, il n’y a pas de survie ».
Coutumièrement, les technocrates, les personnes qui possèdent les compétences techniques, sont habitués à manier des chiffres et des courbes. Le maniement des citations est une discipline qui peut parfois leur être rebutante. C’est pourquoi on va se placer sur leur terrain de prédilection pour essayer de pénétrer dans les arcanes de leurs pensées et les rendre accessibles aux communs des mortels.
La menace, selon Mr. E. Jouini c’est un collapsus économique, c’est-à-dire un écroulement économique subit. En effet, il estime que de 520 000 chômeurs en 2010 ce nombre pourrait atteindre 700 000 en juillet 2011, juste au moment des élections de la Constituante. Alors que le Ministre du Développement Régional affirme ne pas disposer de statistiques fiables, cette projection est empruntée au Ministre de la Formation Professionnelle et de l’Emploi qui a déclaré la perte de 10 000 emplois pendant la révolution auxquels s’ajoutent plus de 30 000 travailleurs rentrés de Lybie. Mais comme ça ne fait pas le compte pour en faire une catastrophe, soit 40% de chômeurs en plus par rapport au 13 janvier, il faudra inclure 80 000 autres emplois menacés tous secteurs confondus. Cette argumentation est aussi étayée par la « catastrophe » annoncée par le Ministre du Tourisme et du Commerce relative au secteur touristique qui emploie 400 000 personnes et contribue à hauteur de 7% du PIB. Sombre tableau si on inclut encore les expectatives d’une croissance quasi nulle au lieu des 5% prévus pour 2011 selon les déclarations du Ministre des Finances.
Pourtant en consultant les chiffres publiés par l’Institut National de la Statistique, cet alarmisme partagé par bon nombre d’actuels ministres technocrates est dans une large mesure injustifié. Durant le 1er trimestre 2011 notre balance commerciale s’est améliorée comparativement à la même période 2010. Le taux de couverture est passé de 73,1% à 79,2% avec une amélioration nette des exportations de 10,3%. Même la régression de 12% de l’indice d’ensemble de la production industrielle pour les 2 premiers mois 2011 est due à la conjoncture extra économique et surtout aux problèmes très spécifiques du secteur minier. En aucun cela ne correspond à un trend baissier ou une débâcle économique annoncée. Il est vrai que la révolution « n’a pas de prix mais qu’en revanche elle a un coût ». Mais la Tunisie, contre vents et marées, est économiquement bien mieux portante depuis que Ben Ali en a été chassé.
Même si on admet l’improbable et l’impensable, une crise de type 1929 chez nous, le rôle d’un gouvernement de technocrates, c’est-à-dire de l’Etat, c’est de l’empêcher sinon à quoi servirait un gouvernement. Mais l’ancien ministre déclare que « la solution ne viendra pas de l’Etat seul …et qu’il nous faut donc attirer des capitaux ». Mais qui serait disposé à investir chez nous si le Gouvernement lui-même et la Banque Centrale crient à hue et à dia, à qui veut les entendre, que notre économie menace de s’écrouler ? Comment attirer les 5 milliards de dinars qui, selon le Ministre des Finances, seraient nécessaires pour renflouer notre économie nationale si les sirènes d’alarmes sont tirées de toutes parts ? C’est comme si on voulait rassurer un marché financier en annonçant un crach inéluctable.
Mais Mr Jouini, connu aussi pour être « le sauveur des patrons », suggère, pour défaire ce nœud gordien, qu’il faudrait d’abord payer nos dettes extérieures « et ce n’est pas en proclamant unilatéralement l’annulation de la dette que l’on rassurera les investisseurs ».Voici donc dévoilé ce discours de vérité salvateur, cette trilogie « de la peine, des larmes et de la sueur ». Le peuple devrait suer et peiner pour payer ces dettes même si ces dettes ont été contractées par un régime odieux. En vertu de quel principe ou modélisation macroéconomique, diriez-vous, la richesse est créée à partir du paiement de la dette des autres ? Eh bien, et c’est là la subtilité du raisonnement, car ici on ne parle plus d’économique mais de principes éthiques. Pour créer la richesse en attirant de nouveaux capitaux, il faudrait juste que le peuple tunisien déclare « ..qu’il n’a qu’une seule parole…et qu’il honore la dette tout en poursuivant ceux qui ont abusé de sa confiance pour récupérer jusqu’au dernier dinar » ! A partir des ressources morales du peuple tunisien on peut avoir des ressources financières…et Mr E. Jouini affirme plus loin qu’il ne s’agit point d’idéologie.
Maintenant on comprend mieux son recours récurrent aux citations de W. Churchill. Dans la lignée des ministres technocrates du Gouvernement Provisoire, il amplifie l’atmosphère de terreur pour faire du paiement de la dette extérieure puis le surendettement une condition sine qua non de ce qu’il appelle « la survie ». D’ailleurs Mr Jaloul Ayed, Ministre des Finances, va plus loin en laissant entendre qu’il y va de notre souveraineté nationale. Une capitulation sans conditions au lieu de la victoire annoncée.
Alors que la Tunisie s’est attirée la sympathie du monde entier y compris des milieux financiers étrangers qui ne ratent pas une occasion pour nous exprimer leur soutien, le Gouvernement ne veut ni rapatrier nos fonds subtilisés ni négocier nos dettes indument contractées. Même pas un réechelonnement ou un moratoire comme cela s’est toujours pratiqué. Si le refus de négocier la dette extérieure est un choix stratégique qui n’est pas du ressort d’un gouvernement provisoire alors il n’est pas de son ressort non plus de recourir à l’endettement à long terme dans un contexte de « manque de visibilité ».
Cela sans compter que ces fonds seraient injectés à la hâte et en pure perte dans les circuits non épurés où règne encore la bureaucratie, l’incompétence et la corruption ; le système benaliste étant encore en place. « Attirer les capitaux », comme aime bien le répéter Mr E. Jouini, n’attirerait que des ennuis en défaut de la bonne gouvernance. Les programmes de développement de Ben Ali sont dans le texte plus audacieux que le programme à court terme en 17 points de l’actuel gouvernement provisoire. Et pourtant, cela a conduit à faire de la Tunisie un pays déshérité. Faute de nous soulager de nos peines, les mesures d’urgence financées par l’endettement, nous soulageront de nos sous puisqu’elles s’exercent dans le cadre des mécanismes de l’ancien régime. Et cela les technocrates le savent. Au point de nous demander s’ils ne sont là qu’en tant que représentants de nos créanciers.
Le gouvernement pouvait négocier la dette contractée par le régime benaliste en faisant appel au principe juridique de « la dette odieuse », c’est-à-dire la non reconnaissance par l’Etat, lors d’une transition démocratique, des dettes contractées par un régime dictatorial ayant servi contre les intérêts des citoyens. Mais la position des technocrates du gouvernement fait peu de cas des intérêts des citoyens et préfère capituler.
Cette attitude irresponsable ne mène qu’ à une chose. Et comme Mr E. Jouini aime bien citer W. Churchill, nous lui emboitons le pas en citant encore ce dernier pour qualifier cette attitude du Gouvernement : « Vous avez eu le choix entre la guerre et le déshonneur. Vous avez choisi le déshonneur et vous aurez la guerre ».
Notes :
1- Winston Churchill était Premier Ministre britannique lors de la deuxième guerre mondiale 1939-45

Wednesday 18 May 2011

المسار الثوري التونسي: قراءة في المعطيات الاقتصادية

Ecrit par وليد حدوق, publie sur http://www.machhad.com/?p=2527

منذ بداية الثورة التونسية لازم الحديث عن ” الكلفة الاقتصادية ” وخطر ” ركود النمو ” تحليل فريق من الفاعلين السياسيين والحكوميين, ولم يخل ذلك من مآرب سياسية, إذ أن هذه ” الفزاعة ” رافقت نقدا  لاحتجاجات ذات طابع سياسي محض ( اعتصام القصبة 2, بداية اعتصام القصبة 3) لم تكن في جوهرها إضرابا عن العمل أو عزوفا عنه وإن رافقتها تحركات وإضرابات ذات طابع اقتصادي اجتماعي. على أن المريب هو أن مؤسسات الدّولة ( البنك المركزي, الوزارات المعنية بالملف الاقتصادي) التي كانت إلى حدود 14 جانفي تهلل ل”النموذج التنموي التونسي” و”الخيارات الاقتصادية الاجتماعية ” أضحت بعد هروب الرئيس التونسي السابق تلحّ على تأزم الوضع وتشرحه للمواطنين بطريقة مُبهمة لا ترقى إلى مستوى الخبر(1). ولسنا ننفي الانعكاسات السلبية للمسار الثوري في تونس على الاقتصاد في المرحلة الراهنة, غير أننا نحاول في هذا المقال مقاربة الكلفة الاقتصادية واقعيا, أي أننا نسلّم بوجود مسار ثوري ونقرأ على ضوءه المعطيات الاقتصادية وما تتطلبه هذه المرحلة من آليات تسييرية للاقتصاد.

عن الكلفة الاقتصادية للثورات:مقاربة مقارنة والدرس البرتغالي.

إن الحديث عن الوضع الاقتصادي في تونس في هذه المرحلة لا يصحّ فصله عن سياق التحول الدّيمقراطي والمسار السياسي عموما, وبهذا المعنى لا يُعتبر التراجع الاقتصادي المُرافق للمخاض السياسي الثوري خبرا أو مشكلا مستقلا بذاته بقدر ما يرتبط بنجاح الثورة في تحقيق أهدافها بالسرعة والكيفية المطلوبتين. وعلى سبيل المثال, عرف البرتغال بعد ثورة القرنفل سنة 1974 تراجعا اقتصاديا هاما ارتبط بظرف دولي ارتفعت فيه أسعار البترول ( بعد حرب أكتوبر 1973) وشهدت فيه أوربا عموما ركودا اقتصاديا وارتفاعا في نسب البطالة. ولقد تميز الاقتصاد البرتغالي في الفترة السابقة للثورة بين 1968 و1974 بنسب نمو هامة ( حوالي 6,5 في المئة سنويا) إلا أن مؤشراته الاقتصادية والمالية نزلت إلى أدنى مستوياتها بُعيد الثورة حيث بلغ عجز الموازنة 15 في المائة من الناتج الداخلي الخام وعرف الميزان المالي في حينها أسوأ وضع له في تاريخ البرتغال(2). وتجدر الإشارة إلى الثورة المضادة في البرتغال بقيادة ” الأغلبية الصامتة “(3) سنة 1975 كانت بالأساس ردّة فعل على حالة فوضى عمت وسائل الإنتاج واحتجاجات ذات طابع يساري راديكالي قادتها الشرائح المهَمّشة اقتصاديا واجتماعيا في حينها. ولم تنته هذه الاضطرابات وهذا الاستقطاب الاجتماعي ونتائجه الاقتصادية إلا بانتخاب المجلس الوطني التأسيسي البرتغالي ديمقراطيا وكتابة دستور جديد أطلق مرحلة سياسية واقتصادية اجتماعية جديدة في البرتغال قطعت مع الاعتماد على المستعمرات في إفريقيا ومهّدت لانضمام هذا البلد للمجموعة الأوروبية وما شهده بعد ذلك من تنمية. إن ما يمكن استخلاصه تونسيا من الدرس البرتغالي وتجارب أخرى عديدة في التحول الدّيمقراطي ( اليونان مثلا ) هي النقاط التالية:
- لا تمثل التجربة التونسية على الأقل استثناءا في حال ارتبط التحول الدّيمقراطي بتراجع اقتصادي أو بمؤشرات مالية مقلقة, هذا إذا لم نسلم بحتمية ذلك انطلاقا من تجارب سابقة في جنوب أوروبا.
- إن كل خطاب يحصر هموم البلاد في المعطى الاقتصادي ويفصله عن ضرورة استكمال المسار الثوري لتحقيق الأهداف السياسية لا يعدو أن يكون كلام حق يُراد به باطل, إذ أن شرط الضرورة للتنمية هو الاستقرار السياسي أي القائم على تحقيق الرغبة الشعبية كاملة غير منقوصة.
وإذا كنا نقارب المعطى الاقتصادي في سياق المسار الثوري التونسي على ضوء تجارب سابقة, فإنه لا بد لنا من التنويه إلى أن نفس هذه التجارب قد شهدت في خضم انتقالها الديمقراطي مراجعة جذرية لتوجهاتها الاقتصادية السابقة انتهت في البرتغال مثلا إلى تضمين الاشتراكية في الدستور. ولسنا نلمح هنا إلى الإسقاط الحرفي لما سبق في هذه التجارب على ما هو واقع في تونس بيد أننا نلح على حيوية ” الانتقال الاقتصادي ” كلازمة من لوازم الانتقال الديمقراطي, وفيما يلي بيان ذلك.

” المطالب الفئوية “, استحقاق الشفافية وضروة التدقيق(4)

مع هروب رأس النظام السابق يوم 14 جانفي عصفت بالمؤسسات الاقتصادية للبلاد اضرابات واعتصامات عمالية متواترة لا شك في آثارها السلبية على مستويات الإنتاج ومؤشرات النمو الاقتصادي. وقد عمدت بعض الأطراف إلى اتهام هذه التحركات بالشعبوية وإرجاعها إلى نخب بعينها ( نقابية, أقصى اليسار, إسلامية في بعض الأحيان..) والحال أن تبسيط الظواهر الاجتماعية وحصرها في تأثير نخب ” أقلياتية ” هو في جوهره موقف شعبوي, إذ لا مناص لمن رام تحليلا موضوعيا حقيقيا من الإقرار بأن انهيار رأس الاستبداد كشف ما ساد في سنوات خلت من تشغيل هشّ واعتماد المحسوبية ناهيك عن استشراء للمناولة ( التي ألغيت مؤخرا في القطاع العام) ونتائج كل ذلك على الوضع الاجتماعي لشرائح واسعة من المجتمع التونسي. وإذا كنا نقرّ بأن بعض الإضرابات قد شابها الإفراط والغلوّ ( أطراف نقابية أقرّت بذلك أيضا) إلا أن ذلك لا يحجب عمق الخلل الاجتماعي الذي يتوجب جردا دقيقا لما سبق من استغلال وطرحا مستقبليا لما يجب أن يكون تضطلع به الأحزاب السياسية عوض الانخراط في معارك الاستقطاب الواهية. إن مجمل التحركات الاجتماعية – وخلافا للخطاب الشعبوي الذي يدينها إدانة مطلقة – تعبّر عن حاجة شعبية ملحة إلى خارطة طريق اجتماعية واضحة وهو ما يمكن أن نطلق عليه ” الانتقال الاقتصادي”.
وإذا كانت المعطيات الاقتصادية والمالية التونسية قبل 14 جانفي صندوقا أسودا من حيث غموض معايير الإحصاء وتهافت الأرقام الصادرة عن المؤسسات الرسمية, فإن فتح هذا الصندوق يمثل شرط الضرورة لما نطمح إليه من تنمية والخطوة الأولى في انتقال اقتصادي من شأنه أن يهدّأ التوتر الاجتماعي. ولا يعني فتح الصندوق الأسود مجرد تقص للحقائق أو محاسبة أقلية معروفة تُحَمّل وزر كل ما آلت إليه الأوضاع في البلاد إذ أن هذا الموقف شعبوي في جوهره لأنه يفترض ببساطة بأن الفساد محصور في هذا الفريق أو ذاك من أقارب الرئيس السابق وأعوانه. وتثير تصريحات المسؤولين الماليين الحاليين في تونس التي تُعرض عن الخوض تفصيليا في الأرقام -إلا ما تعلق منها بالخسائر الواقعة- الشكوك, فعلى سبيل المثال عادة ما ينأى مدير البنك المركزي السيد مصطفى كمال النابلي بنفسه عن ذكر المؤشرات تفصيليا وبوضوح(5).
إن ما تحتاجه تونس, وعلى خلاف ما يميز حاليا تصريحات المسؤولين الاقتصاديين, هو مزيد من الشفافية وتدقيق تفصيلي فيما كان سيّما في المجال المالي. إن حملة وطنية للتدقيق في الموارد المالية العمومية ووالعمليات البنكية والاستثمارية الكبرى التي عرفتها البلاد في السنوات الماضية من شأنها كشف خارطة الفساد الحقيقية دون استثناء سيّما عمليات الإقراض المشبوهة التي ذهبت لصالح رجال أعمال ومستثمرين لا يتم تداول أسمائهم عادة. وليس التدقيق إجراءا سياسيا تشرف عليه الحكومة ليتم التذرع بانتظار الانتخابات, وإنما هو إجراء إداري تقوم به لجان محايدة ومستقلة في مختلف البنوك وعلى رأسها البنك المركزي يفضي إلى ” تشريح ” المسالك المالية وتقييمها جديا وليس سرا أن مثل هذا يتطلب مدة زمنية غير قصيرة مما يجعل البدء فيه ملحا. وقد مثلت تجربة الاكوادور سنة 2008 في تدقيق مديونيتها الخارجية وما آلت إليه من نهب وسرقات داخل مؤسساتها البنكية والحكومية نموذجا لاستئصال الفساد وتخفيف عبئ هذا الأخير عن كاهل دافعي الضرائب بما أنعش الوضع الاجتماعي عموما, ونحسب أن تونس وفي خضم مسارها الثوري بحاجة إلى هكذا خطوة تمكّن من وضع البلاد على السكة الصحيحة سياسيا واقتصاديا.
إن تونس التي تشهد مسارا ثوريا لمّا يكتمل  بحاجة إلى تفهّم المجموعة الوطنية – الصامتين وغير الصامتين – لاستثنائية ظرف التحول الديمقراطي اقتصاديا وما يرتبط به من غليان شعبي لا يصحّ تبسيطه وحصره في توصيف ” المطالب الفئوية “, كما أن دور كل الفاعلين السياسيين والحكوميين هو تأمين انتقال اقتصادي مواز للانتقال السياسي يفترض على الأقل توجها حقيقيا وفاعلا لاستئصال الفساد ناهيك عن ضرورة طرح الأسئلة الكبرى المتعلقة بالنموذج التنموي التونسي وما يرتبط به من توجهات عامة, سيّما ما يتعلق منها بالعلاقات الدّولية.

(1) انظر مثلا إلى هذا الخبر الذي نقلته وكالة تونس إفريقيا للأنباءhttp://www.tap.info.tn/ar/index.php?option=com_content&task=view&id=41977&Itemid=67, وعلى سبيل المثال يلمّح هذا الخبر المنقول عن مسؤول في البنك المركزي إلى إمكانية عجز الدّولة عن تسديد أجور الموظفين انطلاقا من شهر جويلية في حال تواصلت الاعتصامات, ويذكر أن الحساب الجاري في الخزينة العامة بلغ ” إلى غاية 10 ماي” 549.2 مليون دينار, والحال أن هذا المبلغ يمثل الحساب الجاري لشهر ماي أي أنه يزيد على حاجيات الدّولة لدفع أجور هذا الشهر,149.2 مليون دينار وفقا للمصدر نفسه. وهذا ما نعتبره إبهاما في صياغة الخبر نترك للقارئ فهم مقاصده.
(2) انظر حول مجمل هذه المعطيات:                                                         Problems of Democratic Transition and ConsolidationSouthern Europe, South America, and Post-Communist Europe. Juan J. Linz and Alfred Stepan
(3) ” الأغلبية الصامتة ” هو المُصطلح الذي أطلق في البرتغال على المجموعات المساندة للأحزاب الموالية تقليديا للنظام القديم والتي قامت بمسيرات كبرى يوم 11 مارس 1975 منددة بالتوجهات اليسارية للحركة الثورية ومحذرة من خطر الحزب الشيوعي البرتغالي في حينها.
Audit (4)
[1]Pour parler de la situation actuelle, j’éviterais de parler chiffre (5): تصريح لمصطفى كمال النابلي http://www.webmanagercenter.com/management/article.php?id=105819 , نشير إلى أن السيد النابلي كان قد تحمل مسؤولية وزارية في عهد بن علي ( سنة 1990).


Tuesday 17 May 2011

أبعد من الراجحي… انّها الثورة المضادّة

Ecrit par غسان بن خليفة et publie sur http://www.machhad.com/?p=2511

لكلّ ثورة ثورتها المضادّة. هذه من “قوانين التاريخ” التي لا يختلف عليها اثنان وان اختلفا ايديولوجيًا. وثورتنا في تونس لا تحيد عن هذه القاعدة. اذ تثبت التطوّرات الأخيرة أنّ قوى الثورة المضادة استعادت عافيتها وسطوتها.  فبعد أن تمّت الإطاحة بحكومة الغنّوشي وما مثّلته من محاولة للحفاظ على مصالح فئات وأطراف داخليّة وخارجيّة، تمّ الاستنجاد بالباجي قائد السبسي. فالسيطرة على الوضع كانت تتطلّب سياسيًا محنّكًا يمتلك ما افتقر اليه الغنّوشي من بلاغة وحضور اعلامي و… خبرة أمنيّة.
لم تكن صدفة اذًا أن يكون الهجوم على الراجحي بهذه الشراسة والاتّساع. فالهجمة لم تكتف بتكذيب الرجل ومحاولة الحطّ من قدره، بل وصلت إلى حدّ التشكيك في نزاهته ونواياه؛ بل وفي وطنيّته أيضا!  وبغض النظر عن مدى صحّتها، ظهرت “فجأة” مواقف مؤيّدة لبن علي نُسبَت الى الراجحي، كما ظهرت وثائق  لملكيّته عقارات وأراض، وتمّت استباحة حرمة حياته الخاصّة وتشريح عاداته.
ومن المفارقة أنّه في نفس الوقت الذي يُسعَى فيه إلى تحطيم معنويات الرجل وتشويه سمعته،  يبادر أصحاب القرار إلى تتبّعه قضائيًا بتهم تتعلّق بـ”المسّ من معنويات الجيش” وتشويه سمعة قيادته. هذا مع التغاضي غير البريء عن أنّ الرجل لم يتقصّد نشر جلّ ما قاله إعلاميا، بل كان ضحيّة لصحفيين لم يحترموا أخلاقيات المهنة (وان كان ما قاموا به يحتاج نقاشًا أكثر عمقًا نظرا لارتباطه بمفهوم “الصالح العام” الذي قد يبيح للصحفيين أحيانًا بعض “المحظورات”)..
لماذا الإصرار على استهداف الراجحي؟
كان من الطبيعي ألّآ يتعامل النّاس مع تصريحات الراجحي، كما تعاملوا مع تصريحات مشابهة صدرت عن سياسيين قبله. إذ أنّ الرجل يبدو في عيون الكثيرين – خاصّة الشباب المتحمّس والخائف على ثورته -  أكثر المغرّدين خارج سرب السلطة صدقيّة وجدارة بالثقة. فهم يعرفون أنّه شغَلَ منصبًا حسّاسًا قد يكون سمح له بمعرفة الكثير من الأسرار؛ فضلاً عن أنّه من اتّخذ قرار حلّ التجمّع قضائيًا وإقالة بعض المسؤولين في وزارة الداخلية.  اذًا كان طبيعيًا ان ينظر الكثيرون اليه كـ “بطل” و”حامٍ للثورة”.
وبالتالي كان من الضروري، بالنسبة للسلطة، التصدّي السريع لاحتمال بروز قيادة سياسيّة مستقلّة عن كلّ الأحزاب  قد يرفعها الشباب الثائر على أعناقهم. لكن ما قد يفسّر أكثر الاستهداف العنيف للرجل هو أنّه يمثّل في ذات الوقت الحلقة الأضعف والأخطر في معسكر “المناوئين”. فمن جهة، الراجحي بموقع ضُعف لأنّه تورّط لقلّة خبرته السياسيّة في تصريحات حسّاسة كانت تعبّر أغلبها عن تحليل وتخمين لا عن معطيات مؤكّدة.
وهو من جهة ثانية  في موقع قوّة ايضا – وان بدرجة أقلّ الآن بعد أن تراجع بشكل مرتبك عن تصريحاته التي أكّدها في البداية. وذلك لكونه تحديدا من خارج النخبة السياسيّة. فثقة الكثير من التونسيين  ضعيفة حيال قيادات الأحزاب (لا سيما تلك التي أخذت مواقف أثارت جدلا بعد 14 جانفي) ومسؤولي الدولة. والرجل يمثّل نمطًا مغايرًا لم يعهدوه من قبل، خاصّة على رأس وزارة  ارتبطت في أذهانهم بصورة السطوة والقمع. اذ فاجئ الجميع منذ قدومه بعفويّته اللافتة وبحرصه على الشفافيّة في تواصله مع الجمهور ومع وسائل الإعلام. وهو ما جعله يحوز ثقة الكثير من التونسيين الذين شعروا بأنّه صادق وقريب منهم. ويضاف إلى ذلك طبعا السمعة الطيّبة التي رافقت ظهوره وكان مصدرها أوساط المحامين والقضاة.
أبعد من الراجحي…
في نهاية المطاف، قد يُحاكم الراجحي وقد لا يُحاكم. المهمّ عند أصحاب القرار هو جعله “عبرة لمن يعتبر” دون ان يجعلوا منه “بطلاً” في عيون الفئات المصرّة على  حماية الثورة ومواصلة مسارها .
لكن المهمّ هو محاولة فهم هذا الحنق الكبير من قبل أقطاب السلطة الحاكمة على الرجل. سبب ذلك هو أنّه كاد يُسقِط، من دون قصد على الأرجح، حساباتهم في الماء. إذ أعادت تصريحاته  الموضوع السياسي من زاويته الأخطر الى رأس قائمة اهتمامات الجمهور ( وبالتالي الى قائمة اهتمامات الأحزاب أيضا، رغمًا عن البعض منها ربّما). وذلك بعد أن حاولت بعض الأحزاب، بمعيّة السلطة، جعل مواضيع أقلّ استعجالا– كمسألة “العلمانيّة”-   تطغى على النقاش العامّ.
وعلى وجه التحديد، أعادت تصريحات الراجحي  طرح السؤال السياسي الأهمّ: من يحكم تونس منذ 14 جانفي؟ (ومن وراءه سؤال: ما ذا جرى بالضبط يوم 14 جانفي وفي الأيّام التي سبقته؟) إذ  لا نعرف حتّى اليوم خلفيّات استقدام قائد السبسي وفرضه وزيرا أوّل دون أن تكون للرجل أيّ ميزات استثنائيّة تؤهلّه لقيادة بلد قامت به ثورة إلى برّ الأمان الديمقراطي. بل على العكس، فهو لم يتميّز بأيّ مواقف معارضة لديكتاتورية بن علي، ولا يمثّل شيئًا بالنسبة للشباب وللجهات التي تحمّلت العبء الأكبر من الثورة (على عكس رئيس الوزراء المصري الموّقت مثلا، الذي شارك في اعتصام ميدان التحرير). وأكثر من ذلك: كانت له تجربة وزارية مديدة مع النظام البورقيبي الديكتاتوري، قضّى جلّها في وزارة الداخليّة سيّئة الذكر.
تبيّن، قبل وبعد تصريحات الراجحي، انّ الأمر لا يتعلّق  بشخصه. بل هو يتعلّق على مايبدو بكلّ الشخصيات والقوى الرافضة لسياسة الأمر الواقع التي ينتهجها الفريق الحاكم منذ الإطاحة بحكومة الغنّوشي. سياسة يُحاوَل تمريرها تحت عنوان شعبوي مخادع هو “فرض هيبة الدولة.” إذ تمّ اتّهام حركة “الوطنيون الديمقراطيون” بالتسبّب في أحداث التخريب التي شهدتها مدينة سليانة. فيما قالت الحركة أنّ البوليس السياسي حاول إجبار أحد الموقوفين على الاعتراف بتلقّيه أموالاً من أحد مسؤوليها. وتبيّن ذلك أيضا في الردّ القمعي الوحشي على المظاهرات التي تلَت تصريحات الراجحي مطالبة بكشف الحقائق.
وتبيّن الأمر أكثر في اتّهامات الوزير الأوّل في لقائه التلفزي الأخير (الذي اختير له كالعادة وسائل إعلام “صديقة” وصحفيين لم يشتهروا بأسئلتهم المحرجة لضيوفهم) لبعض الأحزاب، التي لم يسمّها بالوقوف وراء التخريب و”انفلات الأمن.” كما اتّضح أيضا في استقبال قائد السبسي للأحزاب “المسؤولة” التي استنكرت بشدّة ما قاله الراجحي  ولم تر فيه ولو نقطة واحدة تستحقّ مساءلة الحكومة حولها؛ بل ولم تتوان بعض قياداتها عن اتّهامه ظلما بـ”الجهويّة”. هذا فيما تمّ استثناء الأحزاب التي تعبّر عن مواقف نقديّة للحكومة (وان بشكل هادئ مثلما يفعل حزب المؤتمر من أجل الجمهويّة).
كما بدا ذلك أيضا في ما عُقد من لقاءات بين قيادة الجيش وقيادة حركة النهضة، وبين الأخيرة والوزير الأوّل المؤقت (رغم أنّ الأخير كان مشاركًا في حملة التخويف من “النهضة”). لقاءات  يبدو أنّها هدفت الى طمأنة الحركة الى أنّها غير مُستَهدَفة – على عكس ما اشار اليه الراجحي. وذلك تمهيدا، على الأرجح، لـ”تحييدها” عن معركة تحطيم صورة الراجحي وكلّ من يقف في صفّ “المشوشّين” على السلطة، بشقيّها الظاهر والخفّي.
وكان آخر مؤشّر على ذلك ما صرّح به الشابّ أنيس العاشوري، أحد الذين برزوا في اعتصامات القصبة، حول إجباره على الإعتراف بتلقّيه تمويلا من “حزب حمّة الهمّامي وجمعية سهام بن سدرين”. إذ يبدو أكثر وضوحًا أنّ السلطة مصمّمة على استعمال كافّة الأساليب لتشويه وتحجيم من يصرّون على مساءلتها ويشكّكون في شفافيتها. وطبعًا ليس هناك ما هو أفضل من فزّاعات “الإنفلات الأمني” و”الإنهيار الإقتصادي” و”الخطر النهضوي” لإقناع النّاس بالتخلّي عن جموحهم الثوري والاكتفاء بما تحقّق لهم من حرّية تعبير نسبيّة.
المطلوب سياسيًا
أمام هذا المشهد، من الضروري برأيي أن تفيق بعض القوى السياسيّة من أوهامها – حتّى لا أقول أطماعها- الانتخابية. فلا معنى للإصرار على تنظيم انتخابات في موعد محدّد ما لم يتمّ توفير الشروط الفعليّة لنزاهتها. وهي لا تقتصر على مراقبة سير عمليّة التصويت وما يتبعها من فرز. بل تبدأ قبل ذلك بفترة طويلة، وتشمل مراقبة تمويل الأحزاب المتنافسة وضمان الظهور المتكافئ لمختلف القوى السياسيّة في وسائل الإعلام،  وضمان استقلاليّة القضاء الذي سينظر في الطعون المحتملة في النتائج والخ.
وهذه شروط مفقودة الى اليوم. خاصّة وانّ الحملة الانتخابية بدأت عند بعض الأحزاب منذ هروب بن علي وانّه لا رقابة بعد على تمويل عشرات الأحزاب والجمعيّات التي ظهرت مؤخّرًا. وهذا أمر في غاية الخطورة بالنسبة لبلد يعيش مرحلة انتقاليّة تسهّل اختراق ساحته من بعض القوى الدولية التي تسعى لتثبيت وتوسيع مصالحها ونفوذها فيه.
أمّا عن وسائل الإعلام فحدّث ولاحرَج. فالقنوات التلفزيّة، أهمّها وأكثرها تأثيرا على الرأي العام، ما زالت هي نفسها كما كانت قبل 14 جانفي، بنفس مالكيها الإنتهازيين وصحفييها – دون تشميل – الطيّعين. وهانحن نرى اليوم كيف بدأت تتخلّى هذه الفضائيات عن ثورجيّتها المستجدّة بُعيْد 14 جانفي لتعود كما كانت قبله خير معين للسلطة في التلاعب بالرأي العامّ وتوجيهه.
وعليه، فإنّه واهم من يعتقد أنّ الثورة تقترب من تحقيق أهدافها في الحرّية والكرامة والعدالة الاجتماعية. فذلك لن يحصل طالما لم تتوحدّ القوى السياسيّة والاجتماعية المقتنعة فعلا بضرورة تحقيق هذه الأهداف.  وعلى المستوى السياسي لا أرى سبيلاً غير أن تتجمّع مختلف القوى “الجذريّة” في تحالف واسع. وأقصد بذلك القوى ذات المصلحة الفعليّة في القضاء التامّ على الديكتاتورية  وعلى علاقات التبعيّة الاقتصادية والسياسيّة والثقافية التي تحكم تونس في علاقاتها ببعض الدول (تحديدا فرنسا والولايات المتّحدة الأمريكيّة).  ومن أبرز هذه القوى يمكن ذكر حركة النهضة، حزب العمّال الشيوعي، حزب المؤتمر من أجل الجمهوريّة وحركة الشعب الوحدوية التقدّمية.
هذه القوى باستطاعتها – كما فعلت من قبل في إطار هيئة 18 أكتوبر -  ان تتوافق على صيغة “ميثاق للحرّيات” لحلّ ما تثيره حركة النهضة من  تخوّفات (بعضها مشروع بلا شكّ) على المكتسبات الاجتماعية لمجتمعنا. وهنا تعود المسؤوليّة الأكبر إلى حركة النهضة، التي عليها أن تطمئن أكثر التونسيين “الحداثيين” وان تتوقّف عن استغلال المساجد في الجدال السياسي.
فمن شأن هكذا تحالف، يمتدّ مجاله من “الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة” إلى تأطير التحرّكات في الشارع، أن ينزع ورقة التهويل بالنهضة من يد السلطة وحلفائها؛ وبالتالي يعيد التركيز على القضايا الأساسيّة التي يحاول الآخرين طمرها. كما من شأنه أن يخلق التفافا واسعا يضمّ أحزابا وشخصيّات وحركات شبابيّة، فضلا عن شرائح واسعة من النقابيين. تحالف ستكون قاعدته الاجتماعية الأساسيّة بين الشباب وفي الجهات الداخليّة والأحياء الشعبيّة حيث الصنّاع الحقيقيّون للثورة.
هذا عن المدى القصير، أمّا عن المدى المتوسّط والبعيد فلا أرى لاستكمال تحقيق أهداف الثورة وتحصينها غير بناء قطب يساري قويّ، يكون في القلب منه تيّار قادر على إبداع خطاب وفكر جديدين.